ثم إن صاحب الزنج بيت جعلان، فقتل جماعة من أصحابه وروع الباقون روعا شديدا، فانصرف جعلان إلى البصرة ووجه إليه مقاتلة السعدية والبلالية في جمع كثيف، فواقعهم صاحب الزنج، فقهرهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وانصرفوا مفلولين، ورجع جعلان بأصحابه إلى البصرة، فأقام بها معتصما بجدرانها، وظهر عجزه للسلطان، فصرفه عن حرب الزنج، وأمر سعيد الحاجب بالشخوص إلى البصرة لحربهم.
قال أبو جعفر: واتفق لصاحب الزنج من السعادة أن أربعا وعشرين مركبا من مراكب البحر كانت اجتمعت تريد البصرة، وانتهى إلى أصحابها خبر الزنج وقطعهم السبل، وفيها أموال عظيمة للتجار، فاجتمعت آراؤهم على أن شدوا المراكب بعضها إلى بعض، حتى صارت كالجزيرة، يتصل أولها بآخرها، وسارت في دجلة، فكان صاحب الزنج يقول: نهضت ليلة إلى الصلاة وأخذت في الدعاء والتضرع، فخوطبت بأن قيل لي: قد أظلك فتح عظيم، فالتفت فلم ألبث أن طلعت المراكب، فنهض أصحابي إليها في شذاتها فلم يلبثوا أن حووها، وقتلوا مقاتلتها، وسبوا ما فيها من الرقيق، وغنموا منها أموالا لا تحصى، ولا يعرف قدرها فأنهبت ذلك أصحابي ثلاثة أيام وأمرت بما بقي منها فحيز لي.
قال أبو جعفر: ثم دخل الزنج الأبلة في شهر رجب من سنة ست وخمسين ومائتين، وذلك أن جعلان لما تنحى إلى البصرة، لح صاحب الزنج بالسرايا على أهل الأبلة، فجعل يحاربهم من ناحية شط عثمان بالرجالة، وبما خف له من السفن من ناحية دجلة، وجعلت سراياه تضرب إلى ناحية نهر معقل.