ثم انصرف آخر نهار يومه ذلك، فأقام بقصر عيسى بن جعفر بالخربية.
وروى أبو جعفر قال: حدثني محمد بن الحسن بن سهل، قال: حدثني محمد بن سمعان، قال: كنت يومئذ بالبصرة، فمضيت مبادرا إلى منزلي لا تحصن به، وهو في سكة المربد، فلقيت أهل البصرة هاربين، يدعون بالويل والثبور، وفي آخرهم القاسم بن جعفر ابن سليمان الهاشمي على بغل، متقلدا سيفا يصيح بالناس ويحكم! تسلمون بلدكم وحرمكم!
هذا عدوكم قد دخل البلد، فلم يلووا عليه، ولم يسمعوا منه، فمضى هاربا، ودخلت أنا منزلي، وأغلقت بابي، وأشرفت فمر بي الاعراب ورجالة الزنج يقدمهم رجل على حصان كميت، بيده رمح، وعليه عذبة صفراء، فسألت بعد ذلك عنه، فقيل لي:
إنه علي بن أبان. قال: ونادى منادى علي بن أبان: من كان من آل المهلب فليدخل دار إبراهيم ابن يحيى المهلبي، فدخلت جماعة قليلة، وأغلق الباب دونهم، ثم قيل للزنج: دونكم الناس فاقتلوهم، ولا تبقوا منهم أحدا، وخرج إليهم أبو الليث الأصفهاني أحد قواد الزنج، فقال للزنج: كيلوا: وهي العلامة التي كانوا يعرفونها فيمن يؤمرون بقتله، فأخذ الناس السيف، قال: فوالله إني لأسمع تشهدهم وضجيجهم وهم يقتلون، وقد ارتفعت أصواتهم بالتشهد، حتى سمعت بالطفاوة، وهو على بعد من الموضع الذي كانوا فيه.
قال: ثم انتشر الزنج في سكك البصرة وشوارعها، يقتلون من وجدوا، ودخل علي بن أبان يومئذ المسجد فأحرقه وبلغ إلى الكلاء فأحرقه إلى الجسر، وأخذت النار كل ما مرت به من إنسان وبهيمة وأثاث ومتاع، ثم ألحوا بالغدو والرواح على من وجدوه، ويسوقونهم إلى يحيى بن محمد البحراني، وهو نازل ببعض سكك البصرة فمن كان ذا مال قرره حتى يستخرج ماله ثم يقتله، ومن كان مختلا قتله معجلا.