قال أبو جعفر: وقال أصحاب علي بن محمد له (1): أنا قد قتلنا مقاتلة أهل البصرة ولم يبق فيها إلا ضعفاؤهم، ومن لا حراك به، فإذن لنا في تقحمها، فنهاهم (2) وهجن آراءهم وقال: بل نبعد عنها، فقد رعبناهم وأخفناهم، ولنقتحمها وقتا آخر، وانصرف بأصحابه إلى سبخة في آخر أنهار البصرة تعرف بسبخة (3) أبى قرة، قريبة من النهر المعروف بالحاجر فأقام هناك، وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ، وهذه السبخة متوسطة النخل والقرى والعمارات، وبث أصحابه يمينا وشمالا، يعيثون ويغيرون على القرى، ويقتلون الإكرة، وينهبون أموالهم، ويسرقون مواشيهم (4).
وجاءه شخص من أهل الكتاب من اليهود يعرف بما رويه، فقبل يده وسجد له وسأله عن مسائل كثيرة، فأجابه عنها، فزعم اليهودي أنه يجد صفته في التوراة، وأنه يرى القتال معه، وسأله عن علامات في يده وجسده ذكر أنها مذكورة في الكتب، فأقام معه.
قال أبو جعفر: ولما صار جعلان التركي إلى البصرة بعسكره، أقام ستة أشهر يحارب صاحب الزنج، فإذا التقوا لم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة والنشاب، ولم يجد جعلان إلى لقائه سبيلا، لضيق الموضع بما فيه من النخل والدغل (5) عن مجال الخيل، ولان صاحب الزنج قد كان خندق على نفسه وأصحابه.