شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٥٣
مقيما بجبى في جمع كثير من الزنج والبصرة قد صارت مغنما لأهل عسكر صاحب الزنج، يغادونها ويراوحونها لنقل ما نالته أيديهم منها إلى منازلهم، فليس بمعسكر علي بن (1) محمد يومئذ من أصحابه إلا القليل، فهو على ذلك من حاله، حتى وافى أبو أحمد في الجيش ومعه مفلح، فورد جيش عظيم لم يرد على الزنج مثله، فلما وصل إلى نهر معقل، انصرف من كان هناك من الزنج فالتحقوا بصاحبهم مرعوبين، فراعه ذلك، ودعا برئيسين منهما، فسألهما عن السبب الذي له تركا موضعهما، فأخبراه بما عاينا من عظم أمر الجيش الوارد وكثرة عدد أهله وإحكام عدتهم، وأن الذي عايناه من ذلك لم يكن في قوتهما الوقوف له في العدة التي كانا فيها، فسألهما: هل علما من يقود هذا الجيش؟ فقالا: قد اجتهدنا في علم ذلك، فلم نجد من يصدقنا عنه.
فوجه صاحب الزنج طلائعه في سمريات ليعرف الخبر، فرجعت طلائعه إليه بتعظيم أمر الجيش وتفخيمه، ولم يقف أحد منهم على من يقوده، فزاد ذاك في جزعه وارتياعه، فأمر بالارسال إلى علي بن أبان يعلمه خبر الجيش الوارد، ويأمره بالمصير إليه فيمن معه ووافى جيش أبى أحمد، فأناخ بإزاء صاحب الزنج، فلما كان اليوم الذي كانت فيه الواقعة خرج علي بن محمد يطوف في عسكره ماشيا، ويتأمل الحال فيمن هو من حزبه ومن هو [مقيم] (2) بإزائه على حزبه، وقد كانت السماء مطرت ذلك اليوم مطرا خفيفا، والأرض ثرية (3) تزل عنها الاقدام، فطوف ساعة من أول النهار ورجع، فدعا بدواة وقرطاس ليكتب كتابا إلى علي بن أبان، ليعلمه ما قد أظله من الجيش ويأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال: فإنه لفي ذلك إذ أتاه أبو دلف القائد أحد قواد الزنج فقال له: إن

(1) الطبري: " الخبيث ".
(2) من الطبري.
(3) في الأصول: " تربة " وما أثبته من الطبري.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303