مقيما بجبى في جمع كثير من الزنج والبصرة قد صارت مغنما لأهل عسكر صاحب الزنج، يغادونها ويراوحونها لنقل ما نالته أيديهم منها إلى منازلهم، فليس بمعسكر علي بن (1) محمد يومئذ من أصحابه إلا القليل، فهو على ذلك من حاله، حتى وافى أبو أحمد في الجيش ومعه مفلح، فورد جيش عظيم لم يرد على الزنج مثله، فلما وصل إلى نهر معقل، انصرف من كان هناك من الزنج فالتحقوا بصاحبهم مرعوبين، فراعه ذلك، ودعا برئيسين منهما، فسألهما عن السبب الذي له تركا موضعهما، فأخبراه بما عاينا من عظم أمر الجيش الوارد وكثرة عدد أهله وإحكام عدتهم، وأن الذي عايناه من ذلك لم يكن في قوتهما الوقوف له في العدة التي كانا فيها، فسألهما: هل علما من يقود هذا الجيش؟ فقالا: قد اجتهدنا في علم ذلك، فلم نجد من يصدقنا عنه.
فوجه صاحب الزنج طلائعه في سمريات ليعرف الخبر، فرجعت طلائعه إليه بتعظيم أمر الجيش وتفخيمه، ولم يقف أحد منهم على من يقوده، فزاد ذاك في جزعه وارتياعه، فأمر بالارسال إلى علي بن أبان يعلمه خبر الجيش الوارد، ويأمره بالمصير إليه فيمن معه ووافى جيش أبى أحمد، فأناخ بإزاء صاحب الزنج، فلما كان اليوم الذي كانت فيه الواقعة خرج علي بن محمد يطوف في عسكره ماشيا، ويتأمل الحال فيمن هو من حزبه ومن هو [مقيم] (2) بإزائه على حزبه، وقد كانت السماء مطرت ذلك اليوم مطرا خفيفا، والأرض ثرية (3) تزل عنها الاقدام، فطوف ساعة من أول النهار ورجع، فدعا بدواة وقرطاس ليكتب كتابا إلى علي بن أبان، ليعلمه ما قد أظله من الجيش ويأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال: فإنه لفي ذلك إذ أتاه أبو دلف القائد أحد قواد الزنج فقال له: إن