أحضر له هذا القدر، وأحضر له ثلاثة برازين كميتا وأشقر وأشهب، فدفع أحدها إلى محمد بن سلم، والاخر إلى يحيى بن محمد، والاخر إلى مشرق غلام الخاقانية. ووجدوا في دار لبعض الهاشميين سلاحا فانتهبوه، فصار ذلك اليوم بأيدي بعض الزنج سيوف وآلات وأتراس.
قال أبو جعفر: ثم كانت بينه وبين من يليه من أعوان السلطان كالحميري، ورميس وعقيل وغيرهم وقعات، كان الظفر فيها كلها له، وكان يأمر بقتل الأسرى، ويجمع الرؤوس معه، وينقلها من منزل إلى منزل، وينصبها أمامه إذا نزل، وأوقع الهيبة والرهبة في في صدور الناس بكثرة القتلى، وقلة العفو، وعلى الخصوص المأسورين، فإنه كان يضرب أعناقهم ولا يستبقى منهم أحدا.
قال أبو جعفر: ثم كان له مع أهل البصرة وقعة بعد ذلك سار يريدها في ستة آلاف زنجي، فاتبعه أهل الناحية المعروفة بالجعفرية ليحاربوه، فعسكر عليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة، أكثر من خمسمائة رجل، فلما فرغ منهم صمد نحو البصرة واجتمع أهلها ومن بها من الجند، وحاربوه حربا شديدا، فكانت الدائرة عليه، وانهزم أصحابه، ووقع كثير منهم في النهرين المعروفين بنهر كثير ونهر شيطان، وجعل يهتف بهم ويردهم ولا يرجعون، وغرق من أعيان جنده وقواده جماعة منهم أبو الجون، ومبارك البحراني وعطاء البربري، وسلام الشامي، فلحقه قوم من جند البصرة، وهو على قنطرة نهر كثير، فرجع إليهم بنفسه، وسيفه في يده، فرجعوا عنه، حتى صاروا إلى الأرض وهو يومئذ في دراعة (1) وعمامة ونعل وسيف وفي يده اليسرى ترس، ونزل عن القنطرة فصعدها البصريون يطلبونه، فرجع إليهم، فقتل منهم رجلا بيده على خمس مراق من القنطرة، وجعل يهتف بأصحابه، ويعرفهم مكانه، ولم يكن بقي معه في ذلك الموضع من أصحابه