آخر الليل خطيبا، فمناهم ووعدهم أن يقودهم ويرأسهم ويملكهم الأموال والضياع، وحلف لهم بالايمان الغليظة ألا يغدر بهم، ولا يخذلهم، ولا يدع شيئا من الاحسان إلا أتى إليهم.
ثم دعا وكلاءهم، فقال: قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم، وفعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم، وكلفتموهم مالا يطيقونه، فكلمني أصحابي فيكم، فرأيت إطلاقكم.
فقالوا له: أصلحك الله! إن هؤلاء الغلمان أباق (1)، وإنهم سيهربون منك فلا يبقون عليك ولا علينا، فخذ من مواليهم مالا، وأطلقهم.
فأمر الغلمان فأحضروا شطوبا (2)، ثم بطح كل قوم وكيلهم، فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة، [وأحلفهم بطلاق نسائهم ألا يعلموا أحدا بموضعه] (3)، ثم أطلقهم فمضوا نحو البصرة ومضى رجل منهم حتى عبر دجيل الأهواز، فأنذر الشورجيين ليحفظوا غلمانهم، وكان هناك خمسة عشر ألف غلام زنجي (4)، ثم سار، وعبر دجيلا، وسار إلى نهر ميمون بأصحابه، واجتمع إليه السودان من كل جهة.
فلما كان يوم الفطر جمعهم وخطب خطبة ذكر فيها ما كانوا عليه من سوء الحال، وأن الله تعالى قد استنقذهم من ذلك، وأنه يريد أن يرفع أقدارهم، ويملكهم العبيد والأموال والمنازل، ويبلغ بهم أعلى الأمور، ثم حلف لهم على ذلك. فلما فرغ من خطبته