وقال إسماعيل بن عبد الله القسري: دعاني مروان، وقد انتهت به الهزيمة إلى حران، فقال: يا أبا هاشم - وما كان يكنيني قبلها: قد ترى ما جاء من الامر، وأنت الموثوق به، ولا عطر بعد عروس، ما الرأي عندك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، علام أجمعت؟ قال:
أرتحل بموالي ومن تبعني حتى آتي الدرب (1)، وأميل إلى بعض مدن الروم فأنزلها، وأكاتب ملك الروم وأستوثق منه، فقد فعل ذلك جماعة من ملوك الأعاجم، وليس هذا عارا على الملوك، فلا يزال يأتيني من الأصحاب الخائف والهارب والطامع فيكثر من معي، ولا أزال على ذلك حتى يكشف الله أمري، وينصرني على عدوى، فلما رأيت ما أجمع عليه من ذلك، وكان الرأي، ورأيت آثاره في قومه من نزار وعصبيته على قومي من قحطان، غششته فقلت:
أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الرأي أن تحكم أهل الشرك في بناتك وحرمك! وهم الروم لا وفاء لهم، ولا يدرى ما تأتى به الأيام، وإن حدث عليك حدث من أرض النصرانية - ولا يحدثن الله عليك إلا خيرا - ضاع من بعدك، ولكن اقطع الفرات، واستنفر الشام جندا جندا، فإنك في كنف وعدة، ولك في كل جند صنائع وأصحاب، إلى أن تأتى مصر، فهي أكثر أرض الله مالا وخيلا ورجالا، والشام أمامك، وإفريقية خلفك، فإن رأيت ما تحب انصرفت إلى الشام، وإن كانت الأخرى مضيت إلى إفريقية، فقال:
صدقت وأستخير الله. فقطع الفرات والله ما قطعه معه من قيس إلا رجلان: ابن حديد السلمي - وكان أخاه من الرضاعة - والكوثر بن الأسود الغنوي، وغدر به سائر النزارية مع تعصبه كان لهم، فلما اجتاز ببلاد قنسرين وخناصرة، أوقعوا بساقته، ووثب به أهل حمص، وصار إلى دمشق، فوثب به الحارث بن عبد الرحمن الحرشي ثم العقيلي، ثم أتى الأردن فوثب به هاشم بن عمرو التميمي، ثم مر بفلسطين، فوثب به أهلها، وعلم مروان أن إسماعيل بن عبد الله قد غشه في الرأي، ولم يمحضه النصيحة، وإنه فرط في مشورته إياه