يا حبذا تلك الحمول وحبذا * شخص هناك، وحبذا أمثاله!
فأجاد ما شاء، وشرب سليمان بن هشام بالرطل، وشربنا معه حتى توسدنا أيدينا، فلم أنتبه إلا بتحريك سليمان إياي، فقمت مسرعا، وقلت: ما شأن الأمير؟ فقال: على رسلك، رأيت كأني في مسجد دمشق، وكأن رجلا على يده حجر، وعلى رأسه تاج أرى بصيص ما فيه من الجوهر، وهو رافع صوته بهذا الشعر:
أبني أمية قد دنا تشتيتكم * وذهاب ملككم وليس براجع وينال صفوته عدو ظالم * كأسا لكم بسمام موت ناقع فقلت: أعيذ الأمير بالله وساوس الشيطان الرجيم! هذا من أضغاث الأحلام، ومما يقتضيه ويجلبه الفكر، وسماع الأراجيف. فقال: الامر كما قلت لك، ثم وجم ساعة، وقال: يا حميري، بعيد ما يأتي به الزمان قريب!
قال العلاء: فوالله ما اجتمعنا على شراب بعد ذلك اليوم (1).
* * * سئل بعض شيوخ بنى أمية عقيب زوال الملك عنهم: ما كان سبب زوال ملككم؟
فقال: جار عمالنا على رعيتنا، فتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فجلوا عنا، وخربت ضياعنا فخلت بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أمورا دوننا، أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم عدونا فظافروه على حربنا، وطلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الاخبار عنا من أوكد أسباب زوال ملكنا.
* * * كان سعيد بن عمر بن جعدة بن هبيرة المخزومي، أحد وزراء مروان وسماره فلما ظهر