أمير المؤمنين أمرني إن هو قتل أن أقتل بناته ونساءه كلهن، قبل أن تصلوا إليهن، فأرادوا قتله، فقال: لا تقتلوني، فإنكم إن قتلتموني فقدتم ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا: وما هو؟ فأخرجهم من القرية إلى كثبان من الرمل، فقال: اكشفوا هاهنا، فإذا البردة والقضيب وقعب (1) مخضب قد دفنها مروان ضنا بها أن تصير إلى بني هاشم. فوجه به عامر بن إسماعيل إلى صالح بن علي، فوجه به صالح إلى أخيه عبد الله، فوجه به عبد الله إلى أبى العباس، وتداوله خلفاء بنى العباس من بعد.
وأدخل بنات مروان وحرمه ونساؤه على صالح بن علي، فتكلمت ابنة مروان الكبرى، فقالت: يا عم أمير المؤمنين، حفظ الله لك من أمرك ما تحب حفظه، وأسعدك في أحوالك كلها، وعمك بخواص نعمه، وشملك بالعافية في الدنيا والآخرة! نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك، فليسعنا من عدلكم ما وسعنا من جوركم. قال: إذا لا نستبقي منكم أحدا، لأنكم قد قتلتم إبراهيم الامام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، ومسلم بن عقيل، وقتلتم خير أهل الأرض حسينا وإخوته وبنيه وأهل بيته، وسقتم نساءه سبايا - كما يساق ذراري الروم - على الأقتاب إلى الشام. فقالت: يا عم أمير المؤمنين، فليسعنا عفوكم إذا. قال: أما هذا فنعم، وأن أحببت زوجتك من ابني الفضل بن صالح، قالت: يا عم أمير المؤمنين، وأي ساعة عرس ترى! بل تلحقنا بحران، فحملهن إلى حران (2).
* * * كان عبد الرحمن بن حبيب بن مسلمة الفهري، عامل إفريقية لمروان، فلما حدثت الحادثة، هرب عبد الله والعاص ابنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك إليه، فاعتصما به فخاف