أمر أبى العباس السفاح، انحاز إلى بني هاشم، ومت إليهم بأم هانئ بنت أبي طالب، وكانت تحت هبيرة بن أبي وهب، فأتت منه بجعدة، فصار من خواص السفاح وبطانته، فجلس السفاح يوما، وأمر بإحضار رأس مروان وهو بالحيرة يومئذ، ثم قال للحاضرين:
أيكم يعرف هذا؟ فقال سعيد: أنا أعرفه، هذا رأس أبى عبد الملك مروان بن محمد بن مروان خليفتنا بالأمس، رحمه الله تعالى. قال سعيد: فحدقت إلى الشيعة، ورمتني بأبصارها، فقال لي أبو العباس: في أي سنة كان مولده؟ قلت: سنة ست وسبعين، فقام وقد تغير لونه غضبا على وتفرق الناس من المجلس، وتحدثوا به، فقلت: زلة والله لا تستقال ولا ينساها القوم أبدا! فأتيت منزلي، فلم أزل باقي يومى أعهد وأوصى، فلما كان الليل اغتسلت وتهيأت للصلاة - وكان أبو العباس إذا هم بأمر بعث فيه ليلا - فلم أزل ساهرا حتى أصبحت وركبت بغلتي، وأفكرت فيمن أقصد في أمري، فلم أجد أحدا أولى من سليمان بن مجالد مولى بنى زهرة، وكانت له من أبى العباس منزلة عظيمة، وكان من شيعة القوم، فأتيته، فقلت له: أذكرني أمير المؤمنين البارحة؟ قال: نعم، جرى ذكرك، فقال: هو ابن أختنا، وفي لصاحبه، ونحن لو أوليناه خيرا لكان لنا أشكر. فشكرت لسليمان بن مجالد ما أخبرني به، وجزيته خيرا، وانصرفت. فلم أزل من أبى العباس على ما كنت عليه، لا أرى منه إلا خيرا.
ونما ذلك المجلس إلى عبد الله بن علي وإلى أبى جعفر المنصور، فأما عبد الله بن علي فكتب إلى أبى العباس يغريه بي، ويعاتبه على الامساك عنى، ويقول له: إنه ليس مثل هذا مما يحتمل، وكتب إليه أبو جعفر يعذر لي، وضرب الدهر ضربه، فأتى ذات يوم عند أبي العباس، فنهض ونهضت، فقال لي: على رسلك يا بن هبيرة! فجلست، فرفع الستر، ودخل وثبت في مجلسه قليلا، ثم خرج في ثوبي وشى ورداء وجبة، فما رأيت والله أحسن منه ولا مما عليه قط، فقال لي: يا بن هبيرة، إني ذاكر لك أمرا، فلا