من موضع نحره إلى قدمه خطا واحدا أسود، كأنما خط بالرماد في طول لحده، وتتبعنا قبورهم في جميع البلدان، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم.
قلت: قرأت هذا الخبر على النقيب أبى جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي بن عبد الله في سنة خمس وستمائة، وقلت له: أما إحراق هشام بإحراق زيد فمفهوم، فما معنى جلده ثمانين سوطا؟ فقال رحمه الله تعالى: أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك إلى حد القذف لأنه يقال: إنه قال لزيد: يا بن الزانية، لما سب أخاه محمدا الباقر عليه السلام، فسبه زيد، وقال له: سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الباقر وتسميه أنت البقرة! لشد ما اختلفتما!
ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار.
وهذا استنباط لطيف.
* * * قال مروان لكاتبه عبد الحميد بن يحيى حين أيقن بزوال ملكه: قد احتجت إلى أن تصير مع عدوى وتظهر الغدر بي! فإن إعجابهم ببلاغتك وحاجتهم إلى كتابتك، تدعوهم إلى اصطناعك وتقريبك، فإن استطعت أن تسعى لتنفعني في حياتي، وإلا فلن تعجز عن حفظ حرمي بعد وفاتي. فقال عبد الحميد: إن الذي أشرت به هو أنفع الامرين لي، وأقبحهما بي، وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل بين يديك، ثم أنشد:
أسر وفاء ثم أظهر غدرة * فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره!
فثبت على حاله، ولم يصر إلى بني هاشم حتى قتل مروان، ثم قتل هو بعده صبرا (1).
* * *