من مات منا وليس بميت)، فليس يصح في القضية الثانية، وهي حديث البلاء، لأنها تقتضي أن الأبدان تبلى وذاك الانسان لم يبل، فأحوج هذا الاشكال إلى تقدير فاعل محذوف، فيكون تقدير الكلام، يموت من مات حال موته وليس بميت فيما بعد ذلك من الأحوال والأوقات، ويبلى كفن من بلى منا وليس هو ببال، فحذف المضاف كقوله:
(وإلى مدين)، أي وإلى أهل مدين، ولما كان الكفن كالجزء من الميت لاشتماله عليه عبر بأحدهما عن الاخر للمجاورة والاشتمال، كما عبروا عن المطر بالسماء، وعن الخارج المخصوص بالغائط، وعن الخمر بالكأس. ويجوز أن يحذف الفاعل كقوله تعالى: ﴿حتى توارت بالحجاب﴾ (1)، و (فلو لا إذا بلغت الحلقوم) (2). وقول حاتم: (إذا حشرجت) (3) وحذف الفاعل كثير.
والوجه الثاني أن أكثر المتكلمين ذهبوا إلى أن للانسان الحي الفعال أجزاء أصلية في هذه البنية المشاهدة، وهي أقل ما يمكن أن تأتلف منه البنية التي معها يصح كون الحي حيا، وجعلوا الخطاب متوجها نحوها، والتكليف واردا عليها وما عداها من الاجزاء فهي فاضلة ليست داخلة في حقيقة الانسان، وإذا صح ذلك جاز أن ينتزع الله تلك الأجزاء الأصلية من أبدان الأنبياء والأوصياء، فيرفعها إليه بعد أن يخلق لها من الاجزاء الفاضلة عنها نظير ما كان لها في الدار الأولى، كما قالة من ذهب إلى قيامة الأنفس والأبدان معا، فتنعم عنده وتلتذ بضروب اللذات الجسمانية، ويكون هذا مخصوصا بهذه الشجرة