حتى يبسط يده ولسانه، وهم لا يمتنعون منه، ولا يتجاسرون على رده عن أنفسهم، بل يذعنون له ويقرون بذنوب لم يقترفوها، استكفافا لعاديته وتسكينا لغضبة، وهو في ذلك يستمر على طريقته لا يكف يدا ولا لسانا.
وأصل هذا الخلق الذي ذكرناه أنه مركب من قوى مختلفة: من شدة القوة الغضبية، فهي الحاملة لصاحب هذا الخلق على ما يصدر عنه من البادرة المكروهة والجبه والقحة، وقد رأينا وشاهدنا من تشتد القوة الغضبية فيه، فيتجاوز الغضب على نوع الانسان إلى البهائم التي لا تعقل وإلى الأواني التي لا تحس، وربما قام إلى الحمار وإلى البرذون فضربهما ولكمهما، وربما كسر الآنية لشدة غضبه، وربما عض القفل إذا تعسر عليه، وربما كسر القلم إذا تعلقت به شعرة من الدواة واجتهد في إزالتها فلم تزل.
ويحكى عن بعض ملوك اليونان المتقدمين: أنه كان يغضب على البحر إذا هاج واضطرب، وتأخرت سفنه عن النفوذ فيه، فيقسم بمعبوده ليطمنه وليطرحن الجبال فيه حتى يصير أرضا، ويقف بنفسه على البحر، ويهدده بذلك، ويزجره زجرا عنيفا، حتى تدر أوداجه ويشتد احمرار وجهه، ومنهم من لا يسكن غضبه حتى يصب عليه ماء بارد أو حتى يبول، ولهذا ورد في الشريعة الامر لمن اشتد غضبه أن يتوضأ للصلاة ويصلى.
وكان عمر بن الخطاب إذا غضب على واحد من أهله لا يسكن غضبه، حتى يعض يده عضا شديدا حتى يدميها.
* * * وذكر الزبير بن بكار في الموفقيات أن سرية جاءت لعبد الرحمن أو لعبيد الله