على هذه الفئة التي تلقونها غدا، فان نصر جعل ذلك حجه له عند أصحابه، وسماها معجزة، وإن لم ينصر، قال: لهم تغيرت نياتكم وشككتم في قولي، فمنعكم الله نصره، ونحو ذلك من القول، ولأنه قد جرت العادة أن الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر والنصر، ويمنونهم الدول، فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمن إعجازا.
والقسم الثاني: في الاخبار المفصلة عن الغيوب، مثل هذا الخبر، فإنه لا يحتمل التلبيس، لتقييده بالعدد المعين في أصحابه وفى الخوارج، ووقوع الامر بعد الحرب بموجبه، من غير زيادة ولا نقصان، وذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعرفه رسول الله صلى الله عليه آله من جهة الله سبحانه. والقوة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره.
وبمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته، وأحواله المنافية لقوى البشر، غلا فيه من غلا، حتى نسب إلى أن الجوهر الإلهي حل في بدنه، كما قالت النصارى في عيسى عليه السلام، وقد أخبره النبي صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: (يهلك فيك رجلان محب غال، ومبغض قال).
وقال له تارة أخرى: (والذي نفسي بيده، لولا أنى أشفق أن يقول طوائف من أمتي فيك، ما قالت النصارى في ابن مريم، لقلت اليوم فيك مقالا، لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة)