فلما لقى هؤلاء قاتلهم، فصبروا له ساعة وقاتلوه. ثم إنا دفعنا إليهم جميعا، فهزمناهم، وأخذوا الطريق الأعظم، وليس بينهم وبين عسكرهم بدير يزدجرد إلا نحو ميل (1)، فقال لنا شبيب: اركبوا معاشر المسلمين أكتافهم، حتى تدخلوا معهم عسكرهم إن استطعتم، فأتبعناهم ملظين (2) بهم، ملحين عليهم، ما نرفه عنهم وهم منهزمون، ما لهم همة إلا عسكرهم.
فمنعهم أصحابهم أن يدخلوا عليهم، ورشقوهم (3) بالنبل، وكانت لهم عيون قد أتتهم فأخبرتهم بمكاننا، وكان الجزل قد خندق عليهم وتحرز، ووضع هذه المسلحة الذين لقيناهم [بدير الخرارة] (4)، ووضع مسلحة أخرى مما يلي حلوان.
فلما اجتمعت المسالح، ورشقوهم بالنبل، ومنعونا من خندقهم، رأى (5) شبيب أنه لا يصل إليهم، فقال لأصحابه: سيروا ودعوهم، فلما سار عنهم أخذ على طريق حلوان، حتى كان منهم على سبعة أميال، قال لأصحابه: أنزلوا فأقضموا دوابكم، وقيلوا وتروحوا، فصلوا ركعتين، ثم اركبوا. ففعلوا ذلك. ثم أقبل بهم راجعا إلى عسكر الكوفة، وقال: سيروا على تعبيتكم التي عبأتكم عليها أول الليل، وأطيفوا (6) بعسكرهم كما أمرتكم. فأقبلنا (7) معه، وقد أدخل أهل العسكر مسالحهم إليهم، وأمنوا، فما شعروا حتى سمعوا وقع حوافر الخيل، فانتهينا إليهم قبيل الصبح، وأحطنا بعسكرهم، وصحنا بهم من كل ناحية، فقاتلونا، ورمونا بالنبل، فقال شبيب (8) لأخيه مصاد، وكان يقاتلهم من الجانب