الدهقان من طعامه حتى أحاط بها ابن مجالد، فصعد الدهقان، ثم نزل، وقد تغير لونه، فقال شبيب: ما بالك؟ قال: قد جاءك جمع عظيم، قال: أبلغ (1) شواؤك؟ قال: لا، قال: دعه يبلغ، ثم أشرف الدهقان إشرافة أخرى، ثم نزل فقال: قد أحاطوا بالجوسق، قال: هات شواءك، فجعل يأكل غير مكترث بهم ولا فزع، فلما فرغ قال لأصحابه، قوموا إلى الصلاة، وقام فتوضأ، فصلى بأصحابه صلاة الأولى، ولبس درعه، وتقلد سيفه، وأخذ عموده الحديد، ثم قال: أسرجوا لي بغلتي، فقال أخوه: أفي مثل هذا اليوم تركب (2) بغلة؟ قال: نعم، أسرجوها، فركبها، ثم قال: يا فلان، أنت على الميمنة، وأنت يا فلان على الميسرة، وأنت يا مصاد - يعنى أخاه - على القلب، وأمر الدهقان ففتح الباب في وجوههم.
فخرج إليهم وهو يحكم (3)، وحمل حملة عظيمة، فجعل سعيد وأصحابه يرجعون القهقرى، حتى صار بينهم وبين الدير ميل، وشبيب يصيح: أتاكم الموت الزؤام!
فاثبتوا، وسعيد يصيح: يا معشر همدان، إلى إلى، أنا ابن ذي مران! فقال شبيب لمصاد:
ويحك! استعرضهم استعراضا، فإنهم قد تقطعوا، وإني حامل على أميرهم، وأثكلنيك الله إن لم أثكله ولده، ثم حمل على سعيد فعلاه بالعمود، فسقط (4) ميتا وانهزم أصحابه، ولم يقتل يومئذ من الخوارج إلا رجل واحد.
وانتهى قتل سعيد إلى الجزل، فناداهم: أيها الناس، إلى إلى، وصاح عياض ابن أبي لينة: أيها الناس، إن يكن أميركم هذا القادم هلك، فهذا أميركم الميمون النقيبة، أقبلوا إليه، فمنهم من أقبل إليه، ومنهم من ركب فرسه منهزما، وقاتل الجزل يومئذ قتالا شديدا حتى صرع، وحامى عنه خالد بن نهيك، وعياض بن أبي لينة، حتى استنقذاه