مدينة جيرفت بإزائهم، فقال له عبيدة بن هلال: يا أمير المؤمنين، إن أقمت لم آمن هذه العبيد عليك، إلا أن تخندق على نفسك، فخندق على باب المدينة وجعل يناوشهم، وارتحل المهلب، وكان منهم على ليلة، ورسول الحجاج معه يستحثه، فقال له: أصلح الله الأمير! عاجلهم قبل أن يصطلحوا، فقال المهلب: إنهم لن يصطلحوا، ولكن دعهم فإنهم سيصيرون إلى حال لا يفلحون معها، ثم دس رجلا من أصحابه، فقال: ائت عسكر قطري، فقل: إني لم أزل أرى قطريا يصيب الرأي، حتى نزل منزله هذا، فظهر خطؤه:
أيقيم بين المهلب وعبد ربه، يغاديه القتال هذا، ويراوحه هذا! فنمى الكلام إلى قطري، فقال: صدق: تنحوا بنا عن هذا الموضع، فإن اتبعنا المهلب قاتلناه، وإن أقام على عبد ربه رأيتم فيه ما تحبون.
فقال له الصلت بن مرة: يا أمير المؤمنين، إن كنت إنما تريد الله فأقدم على القوم، وإن كنت إنما تريد الدنيا فأعلم أصحابك حتى يستأمنوا، ثم قال:
قل للمحلين قد قرت عيونكم * بفرقة القوم والبغضاء والهرب كنا أناسا على دين فغيرنا * طول الجدال وخلط الجد باللعب ما كان أغنى رجالا قل جيشهم * عن الجدال وأغناهم عن الخطب إني لأهونكم في الأرض مضطبا * مالي سوى فرسي والرمح من نشب ثم قال: أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع منه فيه.
وارتحل قطري، وبلغ ذلك المهلب، فقال لهزيم بن أبي طحمة المجاشعي: إني لا آمن أن يكون كاذبا بترك موضعه، اذهب فتعرف الخبر، فمضى الهزيم في اثنى عشر فارسا، فلم ير في المعسكر إلا عبدا وعلجا، مريضين فسألهما عن قطري وأصحابه، فقالا: