مضوا يرتادون غير هذا المنزل، فرجع هزيم إلى المهلب، فأخبره، فارتحل حتى نزل خندق قطري، فجعل يقاتل عبد ربه أحيانا بالغداة، وأحيانا بالعشي، فقال رجل من سدوس، يقال له المعتق، وكان فارسا:
ليت الحرائر بالعراق شهدننا * ورأيننا بالسفح ذي الأجبال فنكحن أهل الجد من فرساننا (1) * والضاربين جماجم الابطال ووجه المهلب يزيد ابنه إلى الحجاج يخبره بأنه قد نزل منزل قطري، وأنه مقيم على عبد ربه، ويسأله أن يوجه في أثر قطري رجلا جلدا. فسر بذلك الحجاج سرورا أظهره.
ثم كتب إلى المهلب يستحثه لمناجزة القوم مع عبيد بن موهب:
أما بعد، فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي فيرجعون بعذرك، وذلك أنك تمسك حتى تبرأ الجراح، وتنسى القتلى، وتحمل الكال (2) ثم تلقاهم، فتحمل منهم ثقل ما يحتملون منك من وحشة القتل، وألم الجراح، ولو كنت تلقاهم بذلك الجد لكان الداء قد حسم، والقرن (3) قد قصم، ولعمري ما أنت والقوم سواء، لان من ورائك رجالا، وأمامك أموالا، وليس للقوم إلا ما نعهد، ولا يدرك الوجيف (4) بالدبيب، ولا الظفر بالتعذير.
فلما ورد عليه الكتاب، قال لأصحابه: يا قوم إن الله قد أراحكم من أمور أربعة:
قطري بن الفجاءة، وصالح بن مخراق، وعبيدة بن هلال، وسعد بن الطلائع، وإنما بين أيديكم عبد ربه الصغير في خشار من خشار (5) الشيطان، تقتلونهم إن شاء الله تعالى.