فيا ندمي على تركي عطائي * معاينة وأطلبه ضمارا (1) إذا الرحمن يسر لي قفولا * فحرق في قرى سولاف نارا قوله: (الأعور الكذاب)، يعنى به المهلب كانت عينه عارت بسهم أصابها، وسموه الكذاب، لأنه كان فقيها، وكان يتأول ما ورد في الأثر من أن كل كذب يكتب كذبا إلا ثلاثة: الكذب في الصلح بين رجلين، وكذب الرجل لامرأته بوعد، وكذب الرجل في الحرب بتوعد وتهدد (2). قالوا: وجاء عنه صلى الله عليه وآله: (إنما أنت رجل فخذل عنا ما استطعت). وقال: (إنما الحرب خدعة)، فكان المهلب ربما صنع الحديث ليشد به من أمر المسلمين ما ضعف، ويضعف به من أمر الخوارج ما اشتد، وكان حي من الأزد يقال لهم الندب، إذا رأو المهلب رائحا إليهم قالوا: راح ليكذب، وفيه يقول رجل منهم:
أنت الفتى كل الفتى * لو كنت تصدق ما تقول فبات المهلب في ألفين، فلما أصبح رجع بعض المنهزمة، فصاروا في أربعة آلاف، فخطب أصحابه، فقال: والله ما بكم من قلة، وما ذهب عنكم إلا أهل الجبن والضعف والطبع (3) والطمع، فإن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، فسيروا إلى عدوكم على بركة الله.
فقام إليه الحريش بن هلال، فقال: أنشدك الله أيها الأمير أن تقاتلهم، إلا أن يقاتلوك، فإن في أصحابك جراحا، وقد أثخنتهم هذه الجولة.
فقبل منه، ومضى المهلب في عشرة فأشرف على عسكر الخوارج، فلم ير منهم أحدا