جميع أهل البصرة؟ اجتمعوا إلى في غد لأنظر. وجاء الزبير حتى نزل على البصرة، وعقد الجسر ليعبر إليها، فخرج أكثر أهل البصرة إليه، وانضم إلى الزبير جميع كور الأهواز وأهلها رغبة ورهبة، فوافاه البصريون في السفن وعلى الدواب (1)، فاسودت بهم الأرض، فقال الزبير لما رآهم: أبى قومنا إلا كفرا، وقطع الجسر، وأقام الخوارج بإزائهم، واجتمع الناس عند القباع، وخافوا الخوارج خوفا شديدا، وكانوا ثلاث فرق: سمى قوم المهلب، وسمى قوم مالك بن مسمع، وسمى قوم زياد بن عمرو بن أشرف العتكي، فاختبر القباع ما عند مالك وزياد، فوجدهما متثاقلين عن الحرب، وعاد إليه من أشار بهما، وقالوا: قد رجعنا عن رأينا، ما نرى لها إلا المهلب، فوجه إليه القباع فأتاه، فقال له:
يا أبا سعيد، قد ترى ما قد رهقنا من هذا العدو، وقد أجمع أهل مصرك عليك، وقال له الأحنف: يا أبا سعيد، إنا والله ما آثرناك، ولكنا لم نر من يقوم مقامك.
ثم قال القباع - وأومأ إلى الأحنف -: إن هذا الشيخ لم يسمك إلا إيثارا للدين والبقيا (2) وكل من في مصرك ماد عينه إليك، راج أن يكشف الله عنه هذه الغمة بك، فقال المهلب: لا حول ولا قوة إلا بالله، إني عند نفسي لدون ما وصفتم، ولست آبي ما دعوتم إليه، لكن لي شروطا أشترطها، قالوا: قل، قال: على أن أنتخب من أحببت! قال الأحنف: ذاك لك، قال: ولى إمرة كل بلد أغلب عليه! قالوا: لك ذلك، قال: ولى فئ كل بلد أظفر به!
قال الأحنف: ليس ذاك لك ولا لنا، إنما هو فئ للمسلمين فإن سلبتهم إياه كنت عليهم كعدوهم، ولكن لك أن تعطى أصحابك من فئ كل بلد تغلب عليه ما أحببت، وتنفق منه على محاربة عدوك، فما فضل عنكم كان للمسلمين، فقال المهلب: لا حول ولا قوة إلا بالله! فمن لي بذلك؟ قال الأحنف: نحن وأميرك وجماعة أهل مصرك، قال: قد قبلت.
فكتبوا بينهم بذلك كتابا، ووضع على يدي الصلت بن حريث بن جابر الجعفي، وانتخب المهلب من جميع الأخماس، فبلغت نخبته اثنى عشر ألفا، ونظروا في بيت المال،