فلم يكن إلا مائتي ألف درهم، فعجزت. فبعث المهلب إلى التجار، فقال: إن تجاراتكم منذ حول قد فسدت بانقطاع مواد الأهواز وفارس عنكم، فهلموا فبايعوني واخرجوا معي أوفكم حقوقكم. فبايعوه وتاجروه، فأخذ منهم من المال ما أصلح به عسكره، واتخذ لأصحابه الخفاتين (1) والرانات المحشوة بالصوف، ثم نهض - وكان أكثر أصحابه رجالة - حتى إذا صار بحذاء القوم أمر بسفن فأصلحت وأحضرت، فما ارتفع النهار حتى فرغ منها، ثم أمر الناس بالعبور، وأمر عليهم ابنه المغيرة، فخرج الناس، فلما قاربوا الشط خاضت إليهم الخوارج، فحاربوهم وحاربهم المغيرة، ونضحهم (2) بالسهام حتى تنحوا، وصار هو وأصحابه على الشط، فحاربوا الخوارج، فكشفوهم وشغلوهم حتى عقد المهلب الجسر وعبر، والخوارج منهزمون، فنهى الناس عن اتباعهم، ففي ذلك يقول شاعر من الأزد:
إن العراق وأهله لم يخبروا * مثل المهلب في الحروب فسلموا أمضى وأيمن في اللقاء نقيبة * وأقل تهليلا إذا ما أحجموا وأبلى مع المغيرة يومئذ عطية بن عمرو العنبري، من فرسان تميم وشجعانهم. ومن شعر عطية (3):
يدعى رجال للعطاء وإنما * يدعى عطية للطعان الأجرد وقال فيه شاعر من بنى تميم:
وما فارس إلا عطية فوقه * إذا الحرب أبدت عن نواجذها الفما به هزم الله الأزارق بعد ما * أباحوا من المصرين حلا ومحرما فأقام المهلب أربعين ليلة يجبى الخراج بكور دجلة، والخوارج بنهر تيرى، والزبير ابن علي منفرد بعسكره عن عسكر ابن الماحوز، فقضى المهلب التجار، وأعطى أصحابه،