ثم إن الخوارج تطاردوا لهم في اليوم الثالث، فحمل عليهم هؤلاء الفرسان، فجالوا ساعة، ثم إن رجلا من الخوارج حمل على رجل فطعنه، فحمل عليه المهلب فطعنه، فحمل الخوارج بأجمعهم، كما صنعوا يوم سولاف فضعضعوا الناس، وفقد المهلب وثبت المغيرة في جمع أكثرهم أهل عمان.
ثم نجم (1) المهلب في مائة، وقد انغمس كماه (2) في الدم، وعلى رأسه قلنسوة مربعة فوق المغفر محشوة قزا وقد تمزقت، وإن حشوها ليتطاير وهو يلهث، وذلك في وقت الظهر، فلم يزل يحاربهم حتى أتى الليل، وكثر القتلى في الفريقين، فلما كان الغد غاداهم، وقد كان وجه بالأمس رجلا من طاحية بن سود بن مالك بن فهم، من الأزد من ثقاته وأصحابه، يرد المنهزمين، فمر به عامر بن مسمع فرده، فقال: إن الأمير أذن لي في الانصراف، فبعث إلى المهلب، فأعلمه، فقال: دعه فلا حاجة لي في مثله من أهل الجبن والضعف. ثم غاداهم المهلب في ثلاثة آلاف، وقد تفرق عنه أكثر الناس، وقال لأصحابه: ما بكم من قلة! أيعجز أحدكم أن يلقى رمحه ثم يتقدم فيأخذه! ففعل ذلك رجل من كندة، و اتبعه قوم، ثم قال المهلب لأصحابه: أعدوا مخالي فيها حجارة، وارموا بها في وقت الغفلة، فإنها تصد الفارس، وتصرع الراجل، ففعلوا. ثم أمر مناديا ينادى في أصحابه، يأمرهم بالجد والصبر، ويطمعهم في العدو، ففعل ذلك حتى مر ببني العدوية، من بنى مالك بن حنظلة، فنادى فيهم فضربوه، فدعا المهلب بسيدهم - وهو معاوية بن عمرو - فجعل يركله (3) برجله، فقال: أصلح الله الأمير! اعفني من أم كيسان - والأزد تسمى الركبة أم كيسان - ثم حمل المهلب و حملوا، واقتتلوا قتالا شديدا، فجهد - الأزد تسمى الركبة أم كيسان - ثم حمل المهلب وحملوا، واقتتلوا قتالا شديدا، فجهد الخوارج، ونادى مناد منهم: ألا إن المهلب قد قتل.