فذهب سعيد بن قيس يتكلم، فبدره شبث بن الربعي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا معاوية، قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنه لا يخفى علينا ما تقر وما تطلب، إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس، ولا شيئا تستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم: قتل إمامكم مظلوما، فهلموا نطلب بدمه، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال، وقد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل، لهذه المنزلة التي تطلب، ورب مبتغ أمرا، وطالب (1) له يحول الله دونه، وربما أوتى المتمني أمنيته، وربما لم يؤتها، ووالله مالك في واحدة منهما خير، والله لئن أخطأك ما ترجو إنك لشر العرب حالا، ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار، فاتق الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الامر أهله.
فحمد معاوية الله وأثنى عليه، وقال:
أما بعد فإن أول ما عرفت به سفهك وخفه حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه. ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به، ولقد كذبت ولؤمت (2) أيها الاعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت [وذكرت] (3). انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني وبينكم إلا السيف.
وغضب فخرج القوم وشبث يقول: أعلينا تهول بالسيف! أما والله لنجعلنه إليك، [فأتوا عليا عليه السلام، فأخبروه بالذي كان من قوله، وذلك في شهر ربيع الاخر] (3).
قال نصر: وخرج قراء أهل العراق، وقراء أهل الشام فعسكروا ناحية صفين ثلاثين ألفا.