امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فالتزمته، وبكت لفراقه، وبكى جواريها حولها، فقال عبد الملك: قاتل الله ابن أبي جمعة (1) كأنه شاهد هذه الصورة حيث يقول:
إذا هم بالأعداء لم يثن عزمه * حصان عليها نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهى عاقه * بكت فبكى مما عراها قطينها فسار عبد الملك حتى إذا كان بمسكن من إرض العراق، وقد دنا منه عسكر مصعب، تقاعد بمصعب أصحابه وقواده وخذلوه، فقال لابنه عيسى: الحق بمكة فانج بنفسك، وأخبر عمك عبد الله بما صنع أهل العراق بي، ودعني فإني مقتول، فقال:
لا تتحدث نساء قريش أنى فررت عنك، ولكن أقاتل دونك حتى نقتل، فالفرار عار، ولا عار في القتل، ثم قاتل دونه حتى قتل. وخف من يحامي عن مصعب من أهل العراق، وأيقن بالقتل، فأنفذ عبد الملك إليه أخاه محمد بن مروان، فأعطاه الأمان وولاية العراقين أبدا ما دام حيا، وألفى ألف درهم صلة، فأبى وقال: إن مثلي لا ينصرف عن هذا المكان إلا غالبا أو مقتولا، فشد عليه أهل الشام ورموه بالنبل فأثخنوه، وطعنه زائدة بن قيس بن قدامة السعدي، ونادى: يا لثارات المختار! فوقع إلى الأرض، فنزل إليه عبد الملك بن زياد بن ظبيان، فاحتز رأسه، وحمله إلى عبد الملك.
لما حمل رأس مصعب إلى عبد الملك بكى وقال: لقد كان أحب الناس إلى وأشدهم مودة لي، ولكن الملك عقيم.
كتب مصعب إلى سكينة بنت الحسين عليه السلام، وكانت زوجته لما شخص إلى حرب عبد الملك وهي بالكوفة بعد ليال من فراقها:
وكان عزيزا أن أبيت وبيننا * حجاب فقد أصبحت منى على عشر