قال نصر: فلما (1) قطع علي عليه السلام الفرات، دعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو معاوية، على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة، في اثنى عشر ألفا، وقد كانا حيث سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر، مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات (2)، فبلغهم أخذ علي عليه السلام طريق الجزيرة، وعلما أن معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله، فقالا:
والله ما هذا برأي، أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر، وما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلة من العدد، منقطعين عن المدد. فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهلها، وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت، ولحقوا عليا عليه السلام بقرية دون قرقيسيا، فلما لحقوا عليا عليه السلام عجب، وقال: مقدمتي تأتى من ورائي! فقام له زياد وشريح، وأخبراه بالرأي الذي رأيا. فقال: قد أصبتما رشدكما. فلما عبروا الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية، فلما انتهيا إلى معاوية، لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من أهل الشام، وهو على مقدمة معاوية، فدعواه إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين عليه السلام فأبى، فبعثوا إلى علي عليه السلام: إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام، فدعوناه وأصحابه إلى الدخول في طاعتك، فأبى علينا، فمرنا بأمرك.
فأرسل علي عليه السلام إلى الأشتر، فقال: يا مال، إن زيادا وشريحا أرسلا إلى يعلمانني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم، ونبأني الرسول أنه تركهم متواقفين، فالنجاء النجاء إلى أصحابك، فإذا أتيتهم فأنت عليهم، وإياك أن تبدأ القوم بقتال إن لم يبدأوك، والقهم واسمع منهم، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل