دعائهم والاعذار إليهم مرة بعد مرة، واجعل على ميمنتك زيادا، وعلى ميسرتك شريحا، وقف من أصحابك وسطا، ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب، ولا تتباعد عنهم تباعد من يهاب الناس، حتى أقدم عليك، فإني حثيث السير إليك إن شاء الله.
قال: وكتب علي عليه السلام إليهما - وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي -:
أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا، فاسمعا له وأطيعا أمره، وهو ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (1)، ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل، وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما، ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم ويدعوهم، ويعذر إليهم إن شاء الله.
قال: فخرج الأشتر حتى قدم على القوم، فاتبع ما أمره به علي عليه السلام، وكف عن القتال، فلم يزالوا متواقفين (2)، حتى إذا كان عند المساء، حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له واضطربوا ساعة. ثم إن أهل الشام انصرفوا، ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها، فخرج إليهم أبو الأعور السلمي، فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل، والرجال على الرجال، وصبر بعضهم لبعض، ثم انصرفوا. وبكر عليهم الأشتر، فقتل من أهل الشام عبد الله بن المنذر التنوخي، قتله ظبيان بن عمارة التميمي، وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن. وإن كان الشامي لفارس أهل الشام، وأخذ الأشتر يقول:
ويحكم أروني أبا الأعور!
ثم إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي. انطلق إلى أبو الأعور، فادعه إلى المبارزة،