قال نصر: ولما (١) قدم علي عليه السلام إلى الكوفة نزل على باب المسجد، فدخل فصلى، ثم تحول فجلس إليه الناس، فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل الكوفة، فقال قائل: استأثر الله به، فقال علي عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لا يستأثر بأحد من خلقه، إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز نفسه، وإذلال خلقه، وقرأ: ﴿كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم﴾ (2)، قال نصر: فلما لحقه عليه السلام ثقله قالوا: أننزل القصر؟ فقال: قصر الخبال، لا تنزلوا فيه (3).
* * * قال نصر: ودخل (4) سليمان بن صرد الخزاعي على علي عليه السلام، مرجعه (5) من البصرة، فعاتبه وعذله، وقال له: ارتبت وتربصت وراوغت، وقد كنت من أوثق الناس في نفسي، وأسرعهم فيما أظن إلى نصرتي، فما قعد بك عن أهل بيت نبيك؟
وما زهدك في نصرتهم؟
فقال: يا أمير المؤمنين، لا تردن الأمور على أعقابها، ولا تؤنبني بما مضى منها، واستبق مودتي تخلص لك نصيحتي، فقد بقيت أمور تعرف فيها عدوك من وليك.
فسكت عنه، وجلس سليمان قليلا، ثم نهض، فخرج إلى الحسن بن علي عليه السلام، وهو قاعد في باب المسجد، فقال: ألا أعجبك من أمير المؤمنين، وما لقيت منه من التوبيخ والتبكيت؟ فقال الحسن: إنما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته، فقال: لقد وثبت أمور ستشرع فيها القنا، وتنتضى فيها السيوف، ويحتاج فيها إلى أشباهي، فلا