أما بعد يا أهل الكوفة، فإن لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا، دعوتكم إلى الحق فأجبتم، وبدأتم بالمنكر فغيرتم، ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله، فأما في الاحكام والقسم فأنتم أسوة غيركم ممن أجابكم، ودخل فيما دخلتم فيه. ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الامل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الامل فينسى الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، الحمد لله الذي نصر وليه، وخذل عدوه، وأعز الصادق المحق، وأذل الناكث المبطل.
عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم، الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المستحلين المدعين المقابلين (١) إلينا، يتفضلون بفضلنا، ويجاحدوننا أمرنا، وينازعوننا حقنا، ويباعدوننا عنه، فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا. ألا إنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم، وأنا عليهم عاتب زار، فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون، حتى يعتبوا (٢) ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة.
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي - وكان صاحب شرطته - فقال: والله إني لأرى الهجر وسماع المكروه لهم قليلا، والله لو أمرتنا لنقتلنهم. فقال علي عليه السلام:
سبحان الله يا مال! جزت المدى، وعدوت الحد، فأغرقت (٣) في النزع. فقال: يا أمير المؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في أمر ينوبك من مهادنة الأعادي، فقال علي عليه السلام:
ليس هكذا قضى الله، يا مال، قال سبحانه: ﴿النفس بالنفس﴾ (4) فما بال ذكر الغشم!