عليه السلام إن رغب فيها ونازع عليها، وإن أقرها في غيره وسكت عنها تولينا ذلك الغير، وقلنا بصحة خلافته، وأمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الأئمة الثلاثة، ولا جرد السيف، ولا استنجد بالناس عليهم، فدل ذلك على إقراره لهم على ما كانوا فيه، فلذلك توليناهم، وقلنا فيهم بالطهارة والخير والصلاح، ولو حاربهم وجرد السيف عليهم، واستصرخ العرب على حربهم لقلنا فيهم ما قلناه فيمن عامله هذه المعاملة، من التفسيق والتضليل.
* * * قال ابن ديزيل: وحدثنا عمرو بن الربيع، قال: حدثنا السرى بن شيبان، عن عبد الكريم، أن عمر بن الخطاب قال لما طعن: يا أصحاب محمد تناصحوا، فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.
قلت: إن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد أحد الامامية قال في بعض كتبه: إنما أراد عمر بهذا القول إغراء معاوية وعمرو بن العاص بطلب الخلافة وإطماعهما فيها، لان معاوية كان عامله وأميره على الشام، وعمرو بن العاص عامله وأميره على مصر، وخاف أن يضعف عثمان عنها، وأن تصير إلى علي عليه السلام، فألقى هذه الكلمة إلى الناس لتنقل إليهما - وهما بمصر والشام - فيتغلبا على هذين الإقليمين إن أفضت إلى علي عليه السلام.
وهذا عندي من باب الاستنباطات التي يوجبها الشنان والحنق، وعمر كان أتقى لله من أن يخطر له هذا، ولكنه من فراسته الصادقة التي كان يعلم بها كثيرا من الأمور المستقبلة، كما قال عبد الله بن عباس في وصفه: والله ما كان أوس بن حجر عنى أحدا سواه بقوله:
الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا (1) * * *