شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ٢٣٨
عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام، وأهل العراق، فقالوا جميعا: رضينا، حتى مررت برايات بني راسب، ونبذ (1) من الناس سواهم، فقالوا: لا نرضى لا حكم إلا لله فمل (2) بأهل العراق وأهل الشام عليهم حتى نقتلهم. فقال علي عليه السلام: هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس؟ قال: لا، قال: فدعهم.
قال نصر: فظن علي عليه السلام أنهم قليلون لا يعبأ بهم، فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة ومن كل ناحية: لا حكم إلا لله! الحكم لله يا علي لا لك! لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله، إن الله قد أمضى حكمه في معاوية ة وأصحابه، أن يقتلوا أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم (3)، وقد كنا زللنا وأخطأنا حين رضينا بالحكمين، وقد بان لنا زللنا وخطؤنا فرجعنا إلى الله وتبنا، فارجع أنت يا علي كما رجعنا، وتب إلى الله كما تبنا، وإلا برئنا منك. فقال علي عليه السلام: ويحكم أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع! أليس الله تعالى قد قال، " أوفوا بالعقود " (4) وقال: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " (5)، فأبى علي أن يرجع، وأبت الخوارج إلا تضليل التحكيم والطعن فيه، فبرئت من علي عليه السلام وبرئ علي عليه السلام منهم (6).
قال نصر: وقام إلى علي عليه السلام محمد بن جريش (7)، فقال: يا أمير المؤمنين، أما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل! فوالله إني لأخاف أن يورث ذلا، فقال علي عليه

(١) نبذ من الناس، أي عدد قليل منهم.
(٢) صفين: " فلنحمل ".
(٣) صفين: " أو يدخلوا في حكمنا عليهم ".
(٤) سورة المائدة ١.
(٥) سورة النحل ٩١.
(٦) وقعة صفين 589 - 590.
(7) كتاب صفين: " محرز بن جريش "، وقال: " وكان محرز يدعى مخضخضا، وذلك أنه أخذ عنزة بصفين، وأخذ معه إداوة من ماء، فإذا وجد رجلا جريحا من أصحاب علي جريحا سقاه من اللبن، وإذا وجد رجلا من أصحاب معاوية خضخضه بالعنزة حتى يقتله ".
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست