وإن المسلمين قد أجلوا هذين القاضيين إلى انسلاخ شهر رمضان، فإن رأيا تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها، وإن أرادا تأخيرها بعد شهر رمضان إلى انقضاء الموسم فذلك إليهما، وإن هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول في الحرب، ولا شرط بين الفريقين، وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام والوفاء بما في هذا الكتاب، وهم يد على من أراد فيه إلحادا وظلما، أو حاول له نقضا، وشهد فيه من أصحاب علي عشرة، ومن أصحاب معاوية عشرة، وتاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين (1).
* * * قال نصر: وحدثنا عمرو بن سعيد، قال: حدثني أبو جناب، عن ربيعة الجرمي، قال: لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر، ليشهد مع الشهود عليه، فقال:
لا صحبتني يميني ولا نفعني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح أو موادعة، أولست على بينة من أمري ويقين من ضلالة عدوي، أولستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور! فقال له رجل (من الناس) (2): والله ما رأيت ظفرا ولا خورا، هلم فاشهد على نفسك، وأقرر بما كتب في هذه الصحيفة، فإنه لا رغبة لك عن الناس، فقال: بلى والله، إن لي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا، وفي الآخرة للآخرة، ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي بخير منهم، ولا أحرم دما.
قال نصر بن مزاحم: الرجل هو الأشعث بن قيس، قال: فكأنما قصع (3) على أنفه الحميم ثم قال: ولكني قد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين، ودخلت فيما دخل فيه، وخرجت مما خرج منه، فإنه لا يدخل إلا في الهدى والصواب.