خوفك بمصر فخوفه باليمن، وإن أتاك بالتفصيل فأته بالجمل. فقال له عمرو: يا معاوية، أنت وعلي رجلا قريش، ولم تنل في حربك ما رجوت، ولم تأمن ما خفت، ذكرت أن لعبد الله دينا، وصاحب الدين منصور، وأيم الله لأفنين (عليه) (1) علله، ولأستخرجن خبأه (2)، ولكن إذا جاءني بالايمان والهجرة ومناقب علي، ما عسيت أن أقول! قال:
قل ما ترى، فقال عمرو: وهل تدعني وما أرى! وخرج مغضبا كأنه كره أن يوصى ثقة بنفسه، وقال لأصحابه حين خرج: إنما أراد معاوية أن يصغر أمر أبي موسى، لأنه علم أني خادعه غدا، فأحب أن يقول: إن عمرا لم يخدع أريبا، فقد كدته بالخلاف عليه.
وقال في ذلك شعرا:
يشجعني معاوية بن حرب * كأني للحوادث مستكين وإني عن معاوية غني * بحمد الله والله المعين وهون أمر عبد الله عمدا * وقال له على ما كان دين فقلت له ولم أردد عليه * مقالته وللشاكي أنين ترى أهل العراق يذب عنهم * وعن جيرانهم رجل مهين فلو جهلوه لم يجهل علي * وغث القول يحمله السمين ولكن خطبه فيهم عظيم * وفضل المرء فيهم مستبين فان أظفر فلم أظفر بوغد * وإن يظفر فقد قطع الوتين.
فلما بلغ معاوية شعره، غضب من ذلك وقال: لولا مسيره لكان لي فيه رأي!
فقال له عبد الرحمن بن أم الحكم: أما والله إن أمثاله في قريش لكثير، ولكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغناء عنه، فقال له معاوية: فأجبه عن شعره، فقال عبد الرحمن يعيره بفراره من علي يوم صفين