وحتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس (1)، وحتى يدعوا الخيول في نواحي أرضهم، وبأحناء مساربهم ومسارحهم، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج، وحتى يلقاهم قوم صدق صبر، لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا فطي طاعة الله، وحرصا على لقاء الله، ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه، نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأخوالنا وأعمامنا، لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما، ومضيا على أمض الألم، وجدا على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الاقران، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رآنا الله صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، ولعمري لو كنا نأتى مثل الذي أتيتم ما قام الدين ولا عز الاسلام (2) (وأيم الله لتحلبنها دما، فاحفظوا ما أقول لكم) (3).
* * * وروى بصر عن عمرو بن شمر، عن فضيل بن خديج، قال: قيل لعلي عليه السلام لما كتبت الصحيفة: إن الأشتر لم يرض بما في الصحيفة، ولا يرى إلا قتال القوم، فقال علي عليه السلام: بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت، وقد رضيت ورضيتم، ولا يصلح الرجوع بعد الرضا، ولا التبديل بعد الاقرار، إلا أن يعصى الله أو يتعدى ما في كتابه، وأما الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه، فليس من أولئك ولا أعرفه (4) على ذلك، وليت فيكم مثله اثنين، بل ليت فيكم مثله واحدا، يرى في عدوي مثل رأيه، إذا لخفت مؤنتكم علي، ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم (5).
* * *