فقال له عثمان: مالك قمل فروك! أهذا بجد (1) منك!
فسكت عمرو حتى تفرقوا، ثم قال: والله يا أمير المؤمنين، لأنت أكرم علي من ذلك، ولكني علمت أن بالباب من يبلغ الناس قول كل رجل منا، فأردت أن يبلغهم قولي، فيثقوا بي، فأقود إليك خيرا، وأدفع عنك شرا.
فرد عثمان عماله إلى أعمالهم، وأمرهم بتجهيز الناس في البعوث، وعزم على أن يحرمهم أعطياتهم ليطيعوه، ورد سعيد بن العاص إلى الكوفة، فتلقاه أهلها بالجرعة (2) - وكانوا قد كرهوا إمارته، وذموا سيرته - فقالوا له: ارجع إلى صاحبك، فلا حاجة لنا فيك. فهم بأن يمضي لوجهه ولا يرجع، فكثر الناس عليه، فقال له قائل: ما هذا!
أترد السيل عن أدراجه! والله لا يسكن الغوغاء إلا المشرفية (3)، ويوشك أن تنتضي بعد اليوم، ثم يتمنون ما هم اليوم فيه، فلا يرد عليهم. فارجع إلى المدينة، فإن الكوفة ليست لك بدار.
فرجع إلى عثمان، فأخبره بما فعلوا، فانفذ أبا موسى الأشعري أميرا على الكوفة، وكتب إليهم: أما بعد، فقد أرسلت إليكم أبا موسى الأشعري أميرا، وأعفيتكم من سعيد، ووالله لأفوضنكم عرضي، ولأبذلن لكم صبري، ولأستصلحنكم جهدي، فلا تدعوا شيئا أحببتموه لا يعصى الله فيه إلا سألتموه، ولا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منه، لأكون فيه عندما أحببتم وكرهتم، حتى لا يكون لكم على الله حجة، والله لنصبرن كما أمرنا، وسيجزي الله الصابرين (4).