قال أبو جعفر: فلما دخلت سنه خمس وثلاثين، تكاتب أعداء عثمان وبني أمية في البلاد، وحرض بعضهم بعضا على خلع عثمان عن الخلافة، وعزل عماله عن الأمصار، واتصل ذلك بعثمان، فكتب إلى أهل الأمصار:
أما بعد، فإنه رفع إلي أن أقواما منكم يشتمهم عمالي ويضربونهم، فمن أصابه شئ من ذلك فليواف الموسم بمكة، فليأخذ بحقه مني أو من عمالي، فإني قد استقدمتهم، أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين.
ثم كاتب عماله واستقدمهم، فلما قدموا عليه جمعهم، وقال: ما شكاية الناس منكم؟
إني لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم، وما يعصب هذا الامر إلا بي. فقالوا له: والله ما صدق من رفع إليك ولا بر، ولا نعلم لهذا الامر أصلا، فقال عثمان: فأشيروا علي، فقال سعيد بن العاص: هذه أمور مصنوعة تلقى في السر، فيتحدث بها الناس، ودواء ذلك السيف.
وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم، إذا أعطيتهم الذي لهم.
وقال معاوية: الرأي حسن الأدب.
وقال عمرو بن العاص: أرى لك أن تلزم طريق صاحبيك، فتلين (في) (1) موضع اللين، وتشتد (في) (1) موضع الشدة.
فقال عثمان: قد سمعت ما قلتم، إن الامر الذي يخاف على هذه الأمة كائن لا بد منه، وإن بابه الذي يغلق عليه ليفتحن، فكفكفوهم (2) باللين والمداراة إلا في حدود الله، فقد علم الله إني لم آل الناس خيرا، وإن رحا الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها! سكنوا الناس وهبوا لهم حقوقهم (3)، فإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها (4).