الخدم بأيديهم المراوح والمذاب، والقينات بحذائه في مجلس خارج من القبة يراهن. فإذا نظر عن يمينه رأى نديما قد اصطفاه وأنس بمادثته، وإن نظر عن يساره رأى أخا وصفيا قد واده واجتباه، وإن رفع طرفه نظر إلى خدم قيام قد اختارهم، وإن رمى بطرفه إلى حواشيه رأى مطربيه وقيانه كلهم يفدونه، أسماعهم مصغية إليه، وأعينهم قبله لا يشتغلون بغيره. فإن تكلم سكتوا، وإن قام قاموا. إذا اشتهى سماع القيان نظر نحو الستارة، وإن أراد سكوتهم أومأ بيده إلى الستارة فأمسكوا، قد عرفوا ذلك منه.
هذا دأبه إلى أن يذهب الليل ويذهب عقله، فيخرج الندماء ويخلوا مع الوصفاء. فإذا أصبح اشتغل بالنظر إلى اللعابين بين يديه بالشطرنج والنرد. لا يذكر بين يديه موت ولا سقم ولا مرض، ولا شئ فيه ذكر الغم إلا ذكر الفرح والسرور والنوادر التي يضحك منها. ويطرف كل يوم بأنواع الطيب والشمامات ثنا ما يكون في أوانه، حتى مضت له سبع وعشرون سنة.
فبينا هو ذات يوم في قبته، وقد مضى بعض الليل، إذ سمع نغمة من حلق ندي شجي خلاف ما يسمع من مطربيه; فأخذت بمجامع بقلبه ولها عما كان فيه. فأومأ إليهم أن أمسكوا، وأخرج رأسه من بعض تلك الشباكات المشرعة إلى الجادة يتسمع الذي وقع بقلبه; فإذا النغمة ربما سمعها، وربما خفيت. فصاح بغلمانه: اطلبوا صاحب هذا الصوت!