عن الناس ناظرة إلى الاجتماع معهم في مجالس البطالين وصرف الأوقات باللعب واللهو، والغفلة والجهالة، وتنقيد المؤمنين والتشبيب بنساء المسلمين وغيبة الأبرياء، والافتراء على الصلحاء، كما هو المشهود من مجالسة سواد الناس إذا لم يكن فيهم عالم عامل مقتدر، وفيما سلف من الزمان أيضا كانوا كذلك كما يكونون على هذه الحالة فيما سيأتي بالقيود التي ذكرناها.
وللمحقق كمال الدين البحراني: ابن ميثم (ره) كلام في هذا المقام ما أجوده فإنه قال - بعد ما ذكره احتجاج الطرفين -: أقول: ان كلا الاحتجاجين صحيحين، لكنه ليس أفضلية العزلة مطلقا، ولا أفضلية المخالطة مطلقا، بل كل في حق بعض الناس بحسب مصلحته، وفي بعض الأوقات بحسب ما يشتمل عليه من المملحة.
وأعلم انه من أراد ان يعرف مقاصد الأنبياء عليهم السلام في أوامرهم وتدبيراتهم، فينبغي ان يتعرف طرفا من قوانين الأطباء ومقاصدهم من العبارات المطلقة لهم، فإنه كما أن الأطباء هم المعالجون للأبدان بأنواع الأدوية والعلاجات، لغاية بقائها على صلاحها أو رجوعها إلى العافية من الأمراض البدنية، كذلك الأنبياء عليهم السلام ومن يقوم مقامهم، فإنهم أطباء النفوس والمبعوثون لعلاجها من الأمراض النفسانية، - كالجهل وسائر رذائل الأخلاق - بأنواع الكلام من الآداب والمواعظ والنواهي والضرب والقتل، وكما أن الطبيب قد يقول: الدواء الفلاني نافع من المرض الفلاني ولا يعنى به في كل الأمزجة بل في بعضها، كذلك الأنبياء والأولياء إذا أطلقوا القول في شئ انه نافع - كالعزلة مثلا - فإنهم لا يريدون أنها نافعة لكل انسان، وكما أن الطبيب قد يصف لبعض المرضى دواء ويرى شفاءه فيه، ويرى أن ذلك الدواء بعينه لمريض آخر كالسم القاتل ويعالجه بغيره، كذلك الأنبياء عليهم السلام قد يرون أن بعض الأمور دواء النفوس فيقتصرون عليه، وقد يرون