حقوقا، من حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد انخرم أنفه وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه أدأب منه لنفسه في العبادة، فأتى جابر بن عبد الله باب علي بن الحسين عليهما السلام وبالباب أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام في أغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك، فنظر جابر إليه مقبلا فقال: هذه مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسجيته، فمن أنت يا غلام؟ قال: فقال: أنا محمد بن علي بن الحسين فبكى جابر بن عبد الله رضي الله عنه، ثم قال: أنت والله الباقر عن العلم حقا ادن مني بأبي أنت وأمي، فدنا منه فحل جابر إزاره ووضع يده على صدره فقبله وجعل عليه خده ووجهه وقال له: أقرئك عن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله السلام وقد أمرني أن أفعل بك ما فعلت، وقال لي: يوشك أن تعيش وتبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمد يبقر العلم بقرا وقال لي: إنك تبقى حتى تعمى ثم يكشف لك عن بصرك، ثم قال لي (كذا) إئذن لي على أبيك، فدخل أبو جعفر على أبيه فأخبره الخبر وقال: إن شيخا بالباب وقد فعل بي كيت وكيت، فقال: يا بني ذلك جابر بن عبد الله، ثم قال: أمن بين ولدان أهلك، قال لك ما قال وفعل بك ما فعل؟ قال: نعم إنا لله إنه لم يقصدك فيه بسوء ولقد أشاط بدمك، ثم أذن لجابر فدخل عليه فوجده في محرابه قد أنضته العبادة فنهض علي عليه السلام فسأله عن حاله سؤالا خفيا ثم أجلسه بجنبه فأقبل جابر عليه يقول:
يا بن رسول الله أما علمت أن الله تعالى إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟
قال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يدع الاجتهاد له، وتعبد بأبي هو وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:
فلا أكون عبدا شكورا؟ فلما نظر جابر إلى علي بن الحسين عليه السلام