في آخر الليل، فإذا واحد يقول: " يا أبا مجمر! إن الصبح قد أسفر، والليل قد أدبر، والقنيص قد حضر، فعليك بالوزر! " فقال الآخر: " كلي ولا تراعي " قال: فأرسلوا الكلاب عليهم، فرأيت أبا مجمر وقد اعتوره كلبان وهو يقول:
" الويل لي مما به دهاني... " الأبيات (ذ).
قال: فالتقيا عليه وأخذاه فلما حضر غداء الرجل أتوا بأبي مجمر بعد الطعام مشويا (13).
وروى الحموي (14) - أيضا - عن الحسام بن قدامة، عن أبيه، عن جده قال: كان لي أخ فقل ما بيده وانقضى حتى لم يبق له شئ، فكان لنا بنو عم بالشحر، فخرج إليهم يلتمس برهم، فأحسنوا قراه، وأكثروا بره، وقالوا له يوما: لو خرجت معنا إلى متصيد لنا لتفرجت، قال: ذاك إليكم. وخرج معهم، فلما أصحروا ساروا إلى غيضة عظيمة، فأوقفوه على موضع منها ودخلوها يطلبون الصيد، قال: فبينا أنا واقف إذ خرج من الغيضة شخص في صورة الانسان، له يد واحدة، ورجل واحدة ونصف لحية، وفرد عين وهو يقول:
" الغوث! الغوث! الطريق الطريق! عافاك الله! " ففزعت منه ووليت هاربا، ولم أدر أنه الصيد الذي يذكرونه، فلما جازني سمعته يقول وهو يعدو:
غدا القنيص فابتكر * بكلب وقت السحر لك النجا وقت الذكر * ووزر ولا وزر أين من الموت المفر؟ * حذرت لو يغني الحذر