صعب، ولا يؤمن على الانسان مع مدافعته بالتوبة أن يرهقه الموت فيخرج من الدنيا غير تائب، كما قد يكون على الواحد دين إلى أجل وقد يقدر على قضائه، فلا يزال يدافع بذلك حتى يحل الأجل وقد نفد المال فيبقى الدين قائما عليه. فكان خير الأشياء للإنسان أن يستر عنه مبلغ عمره، فيكون طول عمره يترقب الموت، فيترك المعاصي ويؤثر العمل الصالح.
فإن قلت: وها هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته، وصار يترقب الموت في كل ساعة، يقارف الفواحش وينتهك المحارم!
قلنا: إن وجه التدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر فيه، فإن كان الانسان مع ذلك لا يرعوي ولا ينصرف عن المساوي فإنما ذلك من مرحه ومن قساوة قلبه لا من خطأ في التدبير، كما أن الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به، فإن كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما يأمره ولا ينتهي عما ينهاه عنه لم ينتفع بصفته، ولم يكن الإساءة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه. ولئن كان الانسان مع ترقبه للموت كل ساعة لا يمتنع عن المعاصي فإنه لو وثق بطول البقاء كان أحرى بأن يخرج إلى الكبائر الفظيعة، فترقب الموت على كل حال خير له من الثقة بالبقاء. ثم إن ترقب الموت وإن كان صنف من الناس يلهون عنه ولا يتعظون به فقد يتعظ به صنف آخر منهم، وينزعون عن المعاصي، ويؤثرون العمل الصالح، ويجودون بالأموال والعقائل النفيسة في الصدقة على الفقراء والمساكين، فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة لتضييع أولئك حظهم منها (1).
راجع: كتاب " العلم والحكمة في الكتاب والسنة " / ص 270 / السؤال عما قد يضر جوابه.