فأصبت كل شئ فيه، وتركه، فأعقبه الله الصوم، فكان يصوم الدهر إلى أن مات.
حبذا هذا التنزيه لو صدقت الأحلام، وهو وإن كان معقولا أحسن من رأي الإمام أحمد من أنه الثقة الأمين شرب أو لم يشرب. فإنه رأي تافه لا تساعده البرهنة ولا يوافقه الشرع والعقل والمنطق، والله يقول: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (1) غير أن من المأسوف عليه جدا بطلان إسناده لمكان محمد بن الحسن النقاش فإنه كذبه طلحة بن محمد، ووهاه الدارقطني، ودلسه أبو بكر، وقال البرقاني:
كل حديثه منكر، وذكر عنده تفسير وفقال: ليس فيه حديث صحيح. وكل هذه ذكره الخطيب نفسه فبماذا ينزه الرجل؟ وأنى يتأتى له أمله؟
وإني أشكر من انتهى إليه وضع هذه الأكذوبة على أنه لم يذكر مع القوم مولانا أمير المؤمنين عليا عليه السلام الذي هو أربى من كلهم في جميع الصفات المذكورة فإنه يرفع عن أن يذكر في عداده أي أحد، كما أن فضائله أربى من أن تذكر معها فضيلة.
وهاهنا لا نناقش متن الرواية في الأوصاف التي حابت القوم بها، فلعل فيها ما هو مدعوم بالبرهنة، فيشهد على كون أبي بكر أرحم الأمة إحراقه الفجاءة، وغضه الطرف عن وقيعة خالد بن الوليد في بني حنيفة وخزايته مع مالك بن نويرة وزوجته (2) وعدم اكتراثه لأمر الصديقة فاطمة في دعواها، وكانت له مندوحة عن مجابهتها باسترضاء المسلمين واستنزال كل منهم عن حصته من فدك إن غاضينا القوم على الفتوى الباطلة والرواية المكذوبة في انقطاع إرث النبوة خلافا لآيات المواريث المطلقة وإرث الأنبياء خاصة، على أن فاطمة سلام الله عليها وابن عمها ما كانا يجهلان بما تفرد بنقله أبو بكر وصافقته على قوله سماسرته من الساسة لأمر دبر بليل، وأمير المؤمنين عليه السلام أقضى الأمة وباب مدينة علم النبي، والصديقة فاطمة بضعته وما كان يشح صلى الله عليه وآله وسلم عليها من إفاضة العلم ولا سيما علم الأحكام وعلى الأخص ما يتعلق بها، وهو صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنها سوف تقيم الدعوى على صحابته المتغلبين على فدك وأنها ستمنع عنها ويحتدم بينها و