الشاميين أعداء الحق وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وما فيه من الإرسال الموهن للرواية، ودع عنك ما في متنه مما يضاد الأصول المسلمة من الترخيص في المعصية مما هو كائن إلى يوم القيامة، فهو يوجب التجري على المعاصي فيما يستقبل الرجل من الأيام، وأي إنسان غير معصوم يقال له: إن كل ما سوف ترتكبه من المآتم مغفور لك. فلا تحدوه شهواته إلى توهين اقترافها، واستسهال ركوبها؟ والشهوة غريزة في الانسان تقوده إلى مهاوي الهلكة كل حين، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
نعم حقا يقال: إن سيرة عثمان تصدق هذه الرواية فإنها لا تشبه إلا سيرة من رخص بالمآثم، وأذن لاقتحام الطامات والموبقات، وبشر بغفران هناته وعثراته، فكان غير مكترث لمغبة فعاله، ولا مبال بمعرة مقاله.
وهب إن الحسنات يذهبن السيئات من غير حقوق الناس والكبائر المخرجة عن الدين التي سلفت من الانسان، ولكن أي عمل بار في الشريعة " ولا أقول من أعمال عثمان فحسب ". يبيح للمكلف السيئات فيما يأتي من عمره إلى يوم القيامة ويبشره بالمغفرة فيها جمعاء؟ وليس في ميزان الأعمال ما هو أرجح من الإيمان ومع ذلك فهو غير ممتاز عما سواه بمغفرة ما يأتي به صاحبه في المستقبل، وإنما يجب ما قبله، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (1)، وإلا لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجه خطابها إلى المؤمنين أجمع.
وإنا لم نجد في أعمال عثمان عملا بارا يستدعي هذه المغالاة الخارجة عن أصول الاسلام، غير ما أنفقه على جيش العسرة إن صح من ذلك شئ، وما خسره على بئر رومة، وقد علمت أن جيش العسرة أنفق عليه غيره ما هو أكثر مما أنفقه هو، وما أكثر من حفر الآبار وكرى الأنهار وسبل مياهها للمسلمين، فلو كان عمل عثمان هذا يستدعي المغفرة إلى يوم القيامة لوجب أن يغفر لأولئك الأقوام والأمم ذنوبهم إلى ما بعد القيامة بفئام، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم. فتبصر واعجب.
وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثم نقموا عليه ما كان ينجم منه من هنات بعد