وبعد هذه كلها فإن المعلوم من نظرية مولانا أمير المؤمنين في عثمان كآراء بقية الصحابة فيه يفند نسبة هذه الأقاويل المختلقة إليه، أليس من المضحك ما ينسب إليه صلوات الله عليه من قول: ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان.. الخ؟ ليته عليه السلام بدل هذه الكلمة كان يخطو خطوة في التحفظ على حرمة الرجل وكرامته، ويأمر ولده وذويه بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، وليته كان يقيم له مأتما ويأبنه ويذكره بالخير بعد ما تسنم منصة الخلافة، أو كان يحضر عند تربته ويقوم على قبره ويقرأ له الفاتحة ويأتي بسنة الله التي جاءت في زيارة قبور المسلمين، وأي مسلم لم تكن له معاظم واجبة المراعاة (1).
وليته كان يسكت عنه يوم قام به وقعد (2) وقال على رؤس الاشهاد: قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.
وقال في اليوم الثاني من بيعته في خطبة له: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله. الخ.
وليته كان لم يجابهه بقوله: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل الظعينة سار حيث سار به.
وليته كان لم يكتب إلى المصريين بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم الظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه.
وليته كان لم يقل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه. أو كان لم يقل: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني.
وليته كان لم يخطب بقوله: من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني.