ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وأرادوني على البيعة فقلت: والله إني لأستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة. وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا فلما دفن رجع الناس إلي فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني مشفق لما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين! فكأنما صدع قلبي، فقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى. وفي لفظ ابن كثير: فلما قالوا:
أمير المؤمنين. كان صدع قلبي وأمسكت (1).
قال الأميني: ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدها مما استدرك به على الصحيحين ويمر بما فيها من اللغو كريما، ولعل الذهبي عرف بطلانها غير أنه لما وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيا ولم يلخصها ولم ينبس فيها ببنت شفة، ويدخر ما في علبة علمه أو في كنانة جهله إلى تزييف حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وأمثاله من الصحيح الوارد في فضائل مولانا أمير المؤمنين فيجابهها بكل جلبة ولغط، ولا تقصر عن أشواطهما خطى ابن كثير في تاريخه فيستند إليها مستدلا على ما يرومه من دحض الحق وترصيف الباطل، ونحن أسلفنا في الجزء الخامس ص 266 ط 2 في سلسلة الكذابين والوضاعين نزرا من أقوال الحافظ في جرح محمد بن يونس الكديمي وأنه كان يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع أكثر من ألف حديث وهاهنا نبسط القول فيها:
قال الآجري: سمعت أبا داود ابن الأشعث يتكلم في محمد بن سنان وفي محمد بن يونس يطلق فيهما الكذب. وقال ابن التمار: ما أظهر أبو داود السجستاني تكذيب أحد إلا في رجلين: الكديمي وغلام خليل. وقال أبو سهل القطان: كان موسى بن هارون ينهي الناس عن السماع من الكديمي ويقول: قد تقرب إلي بأني كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن القاسم الأسدي وما حدث أبي قط عن محمد بن القاسم الأسدي. و عن موسى بن هارون أنه كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة -: اللهم إني أشهدك أن الكديمي كذاب يضع الحديث. وقال الشاذ كوني: الكديمي وأخو الكديمي وابن