لها الناس في الطريق يقولون: يا أم المؤمنين! ما الذي أخرجك من بيتك؟ فلما أكثروا عليها تكلمت بلسان طلق وكانت من أبلغ الناس فحمدت الله وأثنت عليه ثم قالت: أيها الناس والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحل دمه (1) ولقد قتل مظلوما، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل، وإن من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ثم يرد هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب. فمن قائل يقول: صدقت. وآخر يقول: كذبت. فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان. فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال نعم. قال: فما ردك على ما كنت عليه، وكنت أمس تكتب إلينا تؤلبنا على قتل عثمان وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه؟ وقد زعمتما أن عليا دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسن منه فأبيتما إلا أن تقد ماه لقرابته وسابقته فبايعتماه، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟ قال طلحة: دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس، فعلمنا حين عرض علينا أنه غير فاعل ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار، وخفنا أن نرد بيعته فنقتل فبايعناه كارهين، قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قال: ذكرنا ما كان من طعننا عليه و خذلاننا إياه، فلم نجد من ذلك مخرجا إلا الطلب بدمه. قال: ما تأمراني به؟ قال:
بايعنا على قتال علي ونقض بيعته، قال: أرأيتما إن أتانا بعدكما من يدعونا إليه ما نصنع؟
قالا: لا تبايعه. قال ما أنصفتما أتأمراني أن أقاتل عليا وأنقض بيعته وهي في أعناقكما وتنهاني عن بيعة من لا بيعة له عليكما؟ أما إننا قد بايعنا عليا، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا. قال: ثم تفرق الناس فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف، وفرقة مع طلحة والزبير. ثم جاء جارية بن قدامة فقال: يا أم المؤمنين! لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون، إنه كانت لك من الله حرمة و ستر، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك، فقد رأى قتلك، فإن كنت يا أم المؤمنين! أتيتينا طائعة؟ فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة؟
فاستعتبي (2).