فقالت قريش: يا أبا طالب! أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم واستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بإصبعه الغلام، وما في السماء قزعة (1) فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا: وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب البادي والنادي ففي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وميزان عدل لا يخيس شعيرة * ووزان صدق وزنه غير هائل شرح البخاري للقسطلاني 2: 227، المواهب اللدنية 1: 48، الخصايص الكبرى 1:
86، 124، شرح بهجة المحافل 1: 119، السيرة الحلبية 1: 125، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1: 87، طلبة الطالب ص 42.
ذكر الشهرستاني في الملل والنحل بهامش الفصل 3: 225 سيدنا عبد المطلب وقال:
ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال:
يا رب بحق هذا الغلام. ورماه ثانيا وثالثا وكان يقول: بحق هذا الغلام إسقنا غيثا مغيثا دائما هاطلا. فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمان اليتامى عصمة للأرامل ثم ذكر أبياتا من القصيدة، ولا يخفى على الباحث أن القصيدة نظمها أبو طالب عليه السلام أيام كونه في الشعب كما مر.
فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان صلى الله عليه وآله رضيعا و يافعا يعرب عن توحيدهما الخالص، وإيمانهما بالله، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة، وقداسة صاحبها من أول يومه، ولو لم يكن لهما إلا هذين الموقفين لكفياهما كما يكفيان