ويصم، وهذه السيرة مطردة فيهم منذ القرن الأول حتى اليوم، ولا يسع لأي باحث رمي أولئك المؤلفين الحفاظ بالضلال والشرك والغلو وخروجهم عما أجمعت عليه الأمة الإسلامية كما هم رموا الشيعة بذلك، على أن الباحث يجد فيما لفقته يد الدعاية والنشر، ونسجته أكف المخرقة والغلو في الفضائل، عجائب وغرائب أو قل: سفاسف وسفسطات، تبعد عن نطاق العقل السليم، فضلا عن أن تكون مشروعة أو غير مشروعة وإليك البيان:
(الغلو في أبي بكر) ليس من العسير الشديد عرفان حدود أي فرد شئت من الصحابة، إذ التاريخ - مع ما فيه من الخبط والخلط، مع ما نسجت عليه أيدي المعرة الأثيمة، مع ما طمس صحيحه بالفتن المظلمة في أدوارها وقرونها الخالية، مع ما لعبت به الأهواء المضلة بالتحريف والاختلاق، مع ما دس فيه عباقية الإفك والافتعال، مع ما سودت صفحاته بآراء تافهة، و نظريات سخيفة، ومبادئ فاسدة، ونعرات طائفية، ومخاريق قومية، وجنايات شعوبية - فيه رمز من الحقيقة، لا يختلط للناقد البصير زبده بخاثره، وصحيحه بسقيمه، ويسع له أن يستخرج المحض بالمخض، يتخذ منه دروس الحقايق، ويعرف به حدود الرجال، ومقاييس السلف، ومقادير الأمم الغابرة، ومن اللازم المحتوم علينا النظرة في تراجم الشخصيات البارزة من رجال الاسلام سلفا وخلفا بعين الإكبار دون عين رمصة، ولا سيما من عرف منهم بالخلافة الراشدة بين الملأ الديني ولو بالانتخاب الدستوري الذي ليس له أي قيمة وكرامة في سوق الاعتبار، وميزان العدل، ربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة (1) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (2) ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهو وليهم بما كانوا يعملون، وكذبوا وأتبعوا أهوائهم وكل أمر مستقر.