لفيف آخر " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".
قال أحمد بن محمد الوتري البغدادي في روضة الناظرين ص 2: إعلم أن جماهير أمل السنة والجماعة يعتقدون أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله تعالى عنهم، وأن المتقدم في الخلافة هو المقدم في الفضيلة لاستحالة تقديم المفضول على الفاضل لأنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل، والدليل عليه: إن أبا بكر رضي الله عنه لما نص على عمر رضي الله عنه قام إليه طلحة رضي الله عنه فقال له: ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا قال أبو بكر رضي الله عنه:
فركت لي عينيك، ودلكت لي عقبيك، وجئتني تكفني عن رأيي، وتصدني عن ديني أقول له إذا سألني: خلفت عليهم خير أهلك. فدل على أنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل. ا ه.
وأنت ترى أن هذه المزعمة فيها دجل لإغراء البسطاء من الأمة المسكينة و هي تصادم رأي الجمهور ونظريات علماء الكلام منهم، وعمل الصحابة ونصوصهم، وقبل كل شئ رأي الخليفة أبي بكر، وكأن ما حسبه من الاستحالة قد خفي علي الخليفة وعلى من آزره على أمره، واعتنق إمامته في القرون والأجيال من بعده وكأن أفضلية الرجل الفظ الغليظ كانت تخفى على الصحابة، ولم يكن يعلمها أحد فأعرب عنها أبو بكر، وكأن التاريخ ونوادر الأثر لم تكن بين يدي (الوتري) حتى يعرف مقادير الرجال، ولا يغلو فيهم ولا يتحكم ولا يجازف في القول ولا يسرف في الكلام ويعلم بأن عمر لو كان خير الأمة وتلك سيرته ونوادر أثره فعلى الاسلام السلام.
نعم: إنما هي أهواء وشهوات أخذ كل بطرف منها، وفتاوى مجردة هملج ورائها كل حسب ميوله، ونحن نضع عقلك السليم مقياسا بين هذين الإمامين: من نصفه نحن، ومن يقول به هؤلاء. فراجعه إلى أيهما يجنح، وأيا منهما يتخذه وسيلة بينه وبين ربه سبحانه، وأيهما يحق له أن يستحوذ على رقاب المسلمين ونفوسهم ونواميسهم وأحكامهم في دنياهم وأخراهم؟ إن لم تكن في ميزان نصفته عين.
فويل للمطففين.