الغريق يتشبث بكل حشيش أعيت القوم شجاعة الخليفة، وأضلتهم عن المذاهب، وجعلتهم في الرونة، وأركبتهم على الزحلوقة تسف بهم تارة وتعليهم أخرى، فلم يجدو مهيعا يوصلهم إلى ما يرومون من إثباتها له مهما وجدوا غضون التاريخ خالية عن كل عين وأثر يسمعهم الركون إليه في الحجاج لها، فتشبثوا بالتفلسف فيها فهذا يبني فلسفة العريش، والآخر ينسج نسج العناكيب ويعد ثباته في موت رسول الله صلى الله عليه وآله وعدم تضعضعه في تلك الهائلة دليل على كمال شجاعته، قال القرطبي في تفسيره 4: 222 في سورة آل عمران 144 عند قوله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبه فلن يضر الله شيئا " هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجرأته فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت عنده شجاعته وعلمه و قال الناس: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، و اضطرب الأمر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح (1).
وهذا الاستدلال أقره الحلبي في سيرته 3: 35 وقال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم طاشت العقول فمنهم من خبل، ومنهم من أقعد ولم يطق القيام، ومنهم من أخرس فلم يطق الكلام، ومنهم من أضنى، وكان عمر رضي الله عنه ممن خبل، وكان عثمان رضي الله عنه ممن أخرس، فكان لا يستطيع أن يتكلم، وكان علي رضي الله عنه ممن أقعد فلم يستطع أن يتحرك، وأضنى عبد الله بن أنيس فمات كمدا، وكان أثبتهم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه - إلى أن قال: قال القرطبي: و هذا أدل دليل على كمال شجاعة الصديق. الخ.
قال الأميني: يوهم القرطبي أن في كتاب الله العزيز ما يدل على شجاعة الخليفة وعلمه، وليس فيما جاء به أكثر من أنه استدل بالآية الشريفة يوم ذاك على موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأي صلة بها إلى شجاعة الرجل؟! وأي قسم فيها من أنحاء الدلالة الثلاثة فضلا عن أن تكون أدل دليل؟ فإن يكن هناك شئ من الدلالة - وأين وأنى