يا رسول الله! قد شبت؟ قال: شيبتني هود والواقعة. الحديث. وروى مثله الحفاظ عن ابن مسعود، وفي لفظ أبي جحيفة: قالوا: يا رسول الله! نراك قد شبت؟ قال: شيبتني هود وأخواتها (1).
فهذه الصحيحة تعرب عن أنه صلى الله عليه وآله كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة، وأسرع فيه حتى أصبح مسؤولا عنه وعما أثره فيه صلى الله عليه وآله فأين منها ذلك التأويل البارد؟
وربما يقال في حل مشكلة (يعرف ولا يعرف): إن أبا بكر كان تاجرا عرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام، لكنه على فرض تسليم كونه تاجرا، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد، مقابل بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلى الشام، فلو كانت التجارة بمجردها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبي الأعظم أولى لأن شرفه المكتسب، وشهرته وبالأمانة، وعظمته في النفوس، وتحليه بالفضائل، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أول يومه، وشرفه الطائل في نسبه، أجلب لتوجه النفوس إليه، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كل ذلك.
على أن التاجر متى هبط مصرا فعارفوه رجال معدودون ممن شاركوه في الحرفة، أو شارفوه في المعاملة، وهذا التعارف يخص بأناس تعد بالأنامل لا عامة الناس كما حسبوه، وأنى هذا من سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأبو بكر يوم ذاك يرضع من ثدي أمه، خرجت به صلى الله عليه وآله أم أيمن لما بلغ ست سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله، فنزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت به شهرا. ومما وقع في تلك السفرة:
قالت أم أيمن: أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا:
أخرجي لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إليه وقلباه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا